إنه لمن العجب حقاً أن تحبط أمة تملك كتاباً مثل القرآن ، وحديثاً مثل حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وإنه لمن العجب حقاً أن بيأس شعب له تاريخ مثل تاريخ المسلمين ، وله رجال أمثال رجال المسلمين.. وإنه لمن العجب حقاً أن يقنط قوم يملكون مقدرات كمقدرات المسلمين ، وكنوزاً مثل كنوز المسلمين. عجيب حقا أن تقنط هذه الأمة وقد قال ربها في كتابه: "قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون".. لكنها حقيقة مشاهدة ، وواقع لا ينكر. والواقع أن غياب الأمل ، وضياع الحلم، وانحطاط الهدف ، كارثة مروعة حلت على المسلمين ، ومصيبة مهولة لا يرجى في وجودها نجاة. لابد أن الذي زرع اليأس في قلوب بعض المسلمين أمر تعاظم في النفوس الواهنة ، وحدث أكبرته القلوب الضعيفة ، فخضعت خضوعاً مذلاً حين كان يرجى لها الانتفاض ، وركعت ركوعاً مخزياً حين كان يرجى لها القيام.
لابد أن نقف وقفات ووقفات ، لنحلل وندرس ونفقه:
لماذا صرنا إلى ما صرنا إليه؟!! وكيف السبيل لقيام وسيادة وصدارة ومجد؟
أما لماذا صرنا إلى هذا الوضع فهذا يرجع إلى عوامل عديدة ، وتراكمات مختلفة ، نستطيع أن نقسمها إلى قسمين كبيرين: القسم الأول هو واقع صنعه المسلمون بأيديهم لما فرطوا في دين الله ، وابتعدوا عن منهج الله ، واستهانوا – وأحياناُ تحالفوا !!- بأعداء الله. أما القسم الثاني فهو مؤامرة بشعة ، نسجت خيوطها على مدار أعوام طويلة ، وتعاون على التخطيط لها طوائف مختلفة من أعداء الأمة.
أولاً الواقع الذي يعيشه المسلمون:
(1)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من هزائم متكررة بدءاً من سقوط الخلافة العثمانية ومن سقوط فلسطين وإعلان إسرائيل في1948 ومن هزيمة مرة في 1956- لولا الرئيس الأمريكي أيزنهاور الذي جعل المسلمين يصورون الحدث وكأنه نصر، بل ويحتفل به بعد ذلك! - ومروراً بنكسة 1967 وتدمير الجيش المصري والسوري وضرب كل المطارات - حتى المطارات الداخلية جدا مثل المنيا والأقصر والغردقة وأبو صوير - في هزيمة كبيرة منكرة. حتى نصر أكتوبر 1973 - والذي كان نصراً مجيدا حقا - أتبع بثغرة مرة ، وبوقف لإطلاق النار ، وبخسارة سريعة لمكاسب هائلة.
(2)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من خيانات مستمرة في أطراف كثيرة متفرقة من العالم الإسلامي ، أدت إلى ضياع البلاد والعباد ، وأدت إلى غياب القدوة ، وفقد الثقة في كل من يقود.
(3)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من إباحية في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ، ومجاهرة بكل فسق ومجون وانحلال ، وافتخار بكثير من الموبقات ، وإهمال لمشاعر أمة كاملة عاشت قروناً وهي تحترم كل قانون إسلامي ، وكل أدب إسلامي ، وكل عرف إسلامي.
(4)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من سرقات وإحتيالات ، ورشوة وفساد ، و هروب بمليارات من أموال المسلمين ، بينما يتضور بعضهم – أو كثير منهم – جوعاً.
(5)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من انهيار للإقتصاد، وديون متراكمة، وإفلاسات مشهرة ، وسيطرة هائلة للإقتصاد الأجنبي على معظم مقاليد الأمور في البلاد الإسلامية ، واتساع مهول للفجوة بين طائفة الأغنياء القليلة جداً وبين طائفة الفقراء - أو المعدمين – عظيمة الاتساع.
(6)ـ الواقع الذي يعيشه المسلمون من فرقة وتناحر وتشاحن بين المسلمين ، حتى قل أن تجد قطرين متجاورين لا يتنازعان على الحدود والأفكار و أحياناً على العقائد. بل وقد يمتد الصراع أحياناً – أو كثيراً - بين المتمسكين بهذا الدين من أبناء المسلمين.
هذا الواقع يورث في نفوس بعض المسلمين - أو في نفوس كثير من المسلمين - إحباطاً ويأساً يشعرون معه أن القيام من جديد - إن لم يكن صعباً - فهو من ضروب المستحيل.
ثانياً: المؤامرة الفكرية على الإسلام:ـ
والمؤامرة على الإسلام قديمة جداً وطويلة جداً وذات أبعاد كثيرة ، وليس المجال متسعاُ لشرح أبعاد المؤامرة بالكامل ، ولكن ما يهمنا في هذا المقام هو الحديث – بإيجاز - عن أحد أبعاد هذه المؤامرة وهو البعد الفكري منها.
لقد دأبت طوائف شتى من أعداء الأمة على العمل على انحراف أفكار الأمة عن الفكر الإسلامي الصحيح ، ومن ثم تفقد الأمة المقياس السليم للحكم على الأمور. وكان أحد الأهداف الواضحة والمحددة لهذه المؤامرة هو زرع بذور اليأس في قلوب المسلمين ، وإقناعهم باستحالة النهوض من هذه الكبوة التي وقعوا فيها.
لكن بداية ، من هم هؤلاء المتآمرون على الإسلام؟!
لقد اشترك في هذه المؤامرة الكثيرون:
(1)ـ المستشرقون: وهم طائفة من العلماء الأوربيين، أكل الغل قلوب معظمهم، وحرق الحقد صدور غالبيتهم، وأعمي الحسد بصائر جلهم، فجاءوا يتعلمون الإسلام، ويدرسون تاريخه ورجاله ومنهجه، لا ليهتدوا بهداه، ولكن ليطعنوا فيه، وليلبسوا على المسلمين دينهم.. انتشرت كتبهم، وعمت أفكارهم، وطغى تحليلهم، وباتوا شوكة حامية في حلق المسلمين.
(2)ـ المستغربون: لقد تبع هؤلاء المستشرقين طائفة أخرى يحلو لي أن أسميها طائفة المستغربين. وهم من أبناء المسلمين الذين فتنوا بالغرب، وتاقت نفوسهم إليه، واستغل الغرب الفرصة، ومدوا إليهم أيديهم بالسوء ، وصنعوهم على أعينهم ، ودسوا في عقولهم أفكارهم، ثم أعادوهم إلى أوطانهم.. يحبطون أبناء جلدتهم، ويشككونهم في دينهم، ويقنطونهم من القيام إلا بإتباع الغرب، حتى إن بعضهم كان يقول إن بلادنا لن تتقدم إلا إذا نقلت ما في لندن وباريس، بحلوه ومره، وبحسنه وسيئه، وبمعروفه ومنكره!!..لقد ذهب أحدهم - وهو من أبناء الأزهر الحافظين للقرآن - إلى فرنسا فتعلم هناك، ثم عاد إلى بلاد المسلمين، يعلم تلامذته أن ينقدوا القرآن الكريم.. فهذه آية قوية، وهذه آية ضعيفة.."كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، إن يقولون إلا كذباً" وكان يقول لتلامذته ليس معنى أن القرآن ذكر وجود إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أن هذا أمر حقيقي!!.. لابد من برهان مادي.. وكان يقول لتلامذته إن الآيات المدنية أكثر نضجاً من المكية!!، وكأن هذا من تراكم الخبرة "تعالى الله عما يصفون".. وكان يكتب كتباً عن الصحابة - وبالذات في زمن الفتنة - فيطعن في كل من استطاع بلا خجل ولا مواربة، ثم إذا به يترقى في المناصب حتى يصبح وزيراًُ للتعليم!، يربي ويعلم ملايين التلاميذ.. وهكذا أصبح الشيخ الأزهري من دعاة العلمانية والإحباط، والأزهر منهم براء..
(3)ـ المستعمرون: اشترك أيضا في مؤامرة الإحباط المستعمرون الذين جثموا على صدور الأمة عشرات السنين، أذاقوها من العذاب ألواناً.. في مصر وفلسطين وسوريا ولبنان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب واليمن والسودان والعراق والكويت و في كل بلاد المسلمين.
(4)ـ بعض الحكام: اشترك في المؤامرة أيضاً بعض الحكام المسلمين الذين أقنعوا شعوبهم أنهم لا طاقة لهم اليوم بجالوت وجنوده..ولا سبيل لحرب الدول " الكبرى" ..وأنهم إن لم يكونوا تبعاً لهذا فليكونوا تبعاً لذاك..وأن الفجوة بيننا وبينهم لا تعد بالسنين بل بالقرون..
(5)ـ السلبيون من المسلمين: وهي طائفة كبيرة قد تدرك الحق لكنها لا تعمل له، وقد تعرف المعروف ولكنها لا تأمر به، وقد ترى المنكر ولكنها لا تنهى عنه..إنهم ينتظرون إما حلاً من السماء ، أو من غيرهم من أهل الأرض!!..ليس لهم عمل إلا الانتقاص من غيرهم ، ونقد العاملين الحاملين للواء هذا الدين..
صورة